رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

ما ينقص ،مؤسساتنا الطبية ؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

اضع بين ايديكم وايدي من يهمهم الامر" ما كتبته "عام ٢٠٠٧،في صحيفة الجزيرة" عند ما تم نقل الوالد رحمه اللّه الى المانيا " وجدت بشر يتساوى "عندهم" البشر في "المرض" و "الموت" ،لا فرق بين "غنى " او "فقير" ولا "رفيع" او "وضيع" كما هو مع الاسف عند البعض منا " "مرضى و موتى " "VIP" " "اللّه المستعان ،لتعرفوا ،ما ينقص ،مؤسساتنا الطبية ؟ قارنت بين الديكورات الداخلية بينهما، فوجدت أن نتيجة المقارنة بين الشكلين والمظهرين الخارجيين كانت لصالح مستشفانا التخصصي. وصلت إلى نتيجة تفسر لي هذا الفارق الواضح الذي يتمثل في (حالة) والدي رحمه الله المرضية وتطورها وتقلبها ما بين هنا في المانيا، وهناك في جدة. والنتيجة كانت هي: إن الفارق ثقافي.. هناك خلل، أو سمِّه قصوراً في ثقافتنا الصحية والعلاجية مستشرٍ في مؤسساتنا الطبية. وهذا الخلل، أو هذا القصور يبدو لنا واضحاً في الطريقة، أو في أسلوب التعامل مع والدي ومرضه في الحالين. فلو دخل التخصصي ولا يشكو سوى من احتباس في البول، فاختار الأطباء أسهل وأقرب إجراء؛ وهو عمل قسطرة (أنبوب في الحالب يتسرب البول عبره إلى زجاجة). ولكن، وبما أن الإهمال واحد من أكبر ملازمات القصور الثقافي الطبي، كان من الطبيعي أن يحدث تلوث في الأنبوب، ويتسرب التلوث بالتالي إلى دم المريض، فأدخل والدي - شفاه الله - العناية المركزة عدة مرات خلال الستة أشهر التي قضاها بالمستشفى بسبب مضاعفات التلوث. أكثر من ذلك أجريت له فحوصات قالوا إن نتيجتها تثبت إصابة والدي "رحمه الله " بمرض السكر. ونحن (يا غافل لك الله). الشيء الغريب أنني ورغم ضحالة حصيلتي الطبية نبهتهم إلى أنهم يجب أن يعالجوا أسباب الاحتباس البولي؛ لأن القسطرة يلجأ إليها الطبيب كإجراء مؤقت، وهي ليست بالعلاج. إلا أنهم ردوا عليَّ بأن الوالد - رحمه الله- طاعن في السن!! ولم أفهم - بيني وبينك - هذه الحجة، إذ - لأول مرة - أسمع أن كبر السن يحول دون العلاج!! هذه الإجابة إضافة إلى ما آل إليه حال الوالد رحمه الله بعد في المستشفى أدخلني في نفق من الحيرة والعجز؛ لأنك لا تستطيع أن ترى والدك يزوى أمامك هكذا دون أن تفعل شيئاً، فراسلت المستشفى الذي نقل اليها الوالد رحمه الله مرفقاً مع مكاتباتي تقريراً طبياً من التخصصي، ثم الموافقة. لا أثقل عليك بالإطالة فور وصوله قاموا بإجراء الفحوصات الطبية الأولية التي أثبتت خطأ نتيجة فحص السكري، وبأن الوالد لا يعاني من هذا المرض، وكان هذا أول الغيث، ولكنك تستطيع أن تسأل: إذا كان مستشفى بحجم التخصصي يعطي شهادة بالإصابة بمرض مثل السكري لخطأ في التحليل، فما الذي يمكن أن يفعله في أمراض حقيقية عند المريض الذي يلجأ إليه؟ وكانت خطوتهم التالية هي نزع هذه الأنابيب، إذ صار التبول طبيعياً وكذا الأكل والشرب. ألم أقل لك إن الخلل ثقافي، وإنه يكمن في الطريقة التي ينبغي أن يتعامل بها من يعمل في هذا المجال مع المرضى، وأن يتغذى بالشعور بأنه إنما يتعامل مع أشخاص تتوقف حياتهم وصحتهم وأحوال أهلهم ومحبوهم ومعارفهم بعد الله على مدى ما يبذلون من جهد لرعايتهم والاعتناء بهم بكل عطف وحب ورأفة. ويمكنك أن تلمس الفرق في التعامل مع المرضى واضحاً، وفي اللمسات الإنسانية التي تؤثر إيجابياً في الصحة النفسية للمريض، وتجعله مهيأً لتقبل العلاج والاستجابة له ولكل التوجيهات العلاجية الموضوعة له. ومما له دلالات عميقة أنني لم ألحظ قط تفرقة بين المرضى في مستوى العناية الطبية العلاجية أو في مستوى التعامل السلوكي، فالكل متساوون فيما يتلقون من العاملين بالمستشفى، حيث تنتفي تماماً الطبقية في مواجهة المرض الذي يساوي بين المرضى، فكله ابتلاء للصبر والاحتساب، لا يفرق الله فيه بين غني وفقير، ولا بين الوجهاء والعامة. فالكل سواسية في الابتلاء، والكل متساوون في حق العناية والرعاية القصوى، والباقي على الله، يعجل بشفاء من يشاء، ويؤجل شفاء من يشاء، وله الحمد في الحالين.

arrow up